الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
هذا والمنقول عن المتكلمين أنها خيالات باطلة وهو من الغرابة بمكان بعد شهادة الكتاب والسنة بصحتها، ووجه ذلك بعض المحققين بأن مرادهم أن كون ما يختيله النائم إدراكًا بالبصر رؤية، وكون ما يتخيله إدراكًا بالسمع باطلًا فلا ينافي حقيقة ذلك بمعنى كونه أمارة لبعض الأشاء كذلك الشيء نفسه أو ما يضاحيه ويحاكيه، وقد مر الكلام في ذلك فتيقظ.والمشهور الذي تعاضدت فيه الروايات أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، ووجه ذلك عند جمع أنه صلى الله عليه وسلم بقي حسبما أشارت عائشة رضي الله تعالى عنها ستة أشهر يرى الوحي منامًا قم جاءه الملك يقظة وستة أشهر بالنسبة إلى ثلاث وعشرين سنة جزء من ست وأربعين جزءًا.وذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه عليه الصلاة والسلام على ستة وأربعين نوعًا: مثل النفث في الروع.وتمثل الملك له بصورة دحية رضي الله تعالى عنه مثلًا.وسماعه مثل صلصلة الجرس إلى غير ذلك، ولذا قال صلى الله عليه وسلم ما قال، وذكر الحافظ العسقلاني أن كون الرؤيا الصادقة جزء من كذا من النبوة إنما هو باعتبار صدقها لا غير وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيًا وليس كذلك، وقد تقدم لك أن في بعض الروايات ما فيه مخالفة لما في هذه الروايات من عدة الأجزاء، ولعل المقصود من كل ذلك على ما قيل: مدح الرؤيا الصادقة والتنويه برفعة شأنها لا خصوصية العدد ولا حقيقة الجزئية.وقال ابن الأثير في جامع الأصول: روى قليل أنها جزء من خمسة وأربعين جزءًا وله وجه مناسبة بأن عمره صلى الله عليه وسلم لم يستكمل ثلاثًا وستين بأن يكون توفي عليه الصلاة والسلام بأثناء السنة الثالثة والستين ورواية أنها جزء من أربعين جزءًا تكون محمولة على كون عمره عليه الصلاة والسلام ستين وهو رواية لبعضهم، وروي أنها جزء من سبعين جزءًا ولا أعلم لذلك وجهًا. اهـ.وأنت تعلم أن سبعين كثيرًا ما يستعمل في التكثير فلعله هو الوجه، والغرض الإشارة إلى كثرة أجزاء النبوة فتدبر، والمراد بإخوته هاهنا على ما قيل: الاخوة الذين يخشى غوائلهم ومكايدهم من بني علاته الأحد عشر، وهم يهوذا، وروبيل وشمعون ولاوي وريالون ويشجر ودينه بنو يعقوب من ليابنت ليان بن ناهر وهي بنت خالته، ودان ويقتالي وجاد وآشر بنوه عليه السلام من سريتين له زلفة وبلهة وهم المشار إليهم بالكواكب، وأما بنيامين الذي هو شقيق يوسف عليه السلام وأمهما راحيل التي تزوجها يعقوب عليه السلام بعد وفات أختها لي أو في حياتها إذ لم يكن جمع الأختين إذ ذاك محرمًا فليس بداخل تحت هذا النهي إذ لا تتوهم مضرته ولا تخضى معرته ولم يكن معهم في الرؤيا إذ لم يكن معهم في السجود.وتعقب بأن المشهور أن بني علاته عليه السلام عشرة وليس فيهم من اسمه دينه، ومن الناس من ذكر ذلك في عداد أولاد يعقوب إلا أنه قال: هي أخت يوسف، وبناء الكلام عليه ظاهر الفساد بل لا تكاد تدخل في الاخوة إلا باعتبار التغليب لأنه جمع أخ فهو مخصوص بالذكور، فلعل المختار أن المراد من الاخوة ما يشمل الأعيان والعلات، ويعد بنيامين بدل دينه إتمامًا لاحد عشر عدة الكواكب المرئية، والنهي عن الاقتصاص عليه وإن لم يكن ممن تخشى غوائله من باب الاحتياط وسد باب الاحتمال، ومما ذاع كل سر جواز الاثنين شاع، ويلتزم القول بوقوع السجود منه كسائر أهله وإسناد الكيد إلى الأخوة باعتبار الغالب فلا إشكال كذا قيل، وهو على علاته أولى مما قيل: إن المراد بإخوته ما لا يدخل تحته بنيامين.ودينه لأنهما لا تخشى معرتهما ولا يتوهم مضرتهما فهم حينئذ تسعة وتكمل العدة بأبيه وأمه أو خالته ويكون عطف الشمس والقمر من قبيل عطف جبريل وميكائيل على الملائكة، وفيه من تعظيم أمرهما ما فيه لما أن في ذلك ما فيه، ونصب: {يكيدوا} بأن مضمرة في جواب النهي وعدى باللام مع أنه مما يتعدى بنفسه كما في قوله تعالى: {فَكِيدُونِى} [هود: 55] لتضمينه ما يتعدى بها وهو الاحتيال كما أشرنا إليه، وذلك لتأكيد المعنى بافادة معنى الفعلين المتضمن والمضمن جميعًا ولكون القصد إلى التأكيد والمقام مقامه أكد الفعل بالمصدر وقرر بالتعليل بعد، وجعل اللام زائدة كجعله مما يتعدى بنفسه وبالحرف خلاف الظاهر، وقيل: إن الجار والمجرور من متعلقات التأكيد على معنى فيكيدوا كيدًا لك وليس بشيء؛ وجعل بعضهم اللام للتعليل على معنى فيفعلوا لأجلك وإهلاكك كيدًا راسخًا أو خفيًا؛ وزعم أن هذا الأسلوب آكد من أن يقال: فيكيدوك كيدًا إذ ليس فيه دلالة على كونه نفس الفعل مقصود الإيقاع وفيه نوع مخالفة للظاهر أيضًا فافهم.وقرأ الجمهور: {رُءيَاكَ} بالهمز من غير إمالة، والكسائي: {رُءيَاكَ} بالامالة وبغير همز وهي لغة أهل الحجاز.{إِنَّ الشيطان للإنسان} إي لهذا النوع: {عَدّوٌّ مبينٌ} طاهر العداوة فلا يألو جهذًا في تسويل إخوتك وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على ما لا خير فيه وإن كانوا ناشئين في بيت النبوة، والظاهر أن القوم كانوا بحيث يمكن أن يكون للشيطان عليهم سبيل، ويؤيد هذا أنهم لم يكونوا أنبياء، والمسألة خلافية فالذي عليه الأكثرون سلفًا وخلفًا أنهم لم يكونوا أنبياء أصلًا، أما السلف فلم ينقل عن الصحابة منهم أنه قال بنبوتهم ولا يحفظ عن أحد من التابعين أيضًا، وأما أتباع التابعين فنقل عن ابن زيد أنه قال بنبوتهم وتابعه شرذمة قليلة، وأما الخلف فالمفسرون فرق: فمنهم من قال بقول ابن زيد كالبغوي، ومنهم من بالغ في رده كالقرطبي وابن كثير، ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي، ومنهم من لم يتعرض للمسألة لكن ذكر ما يشعر بعدم كونهم أنبياء كتفسيره الأسباط بمن نبئ من بني إسرائيل والمنزل إليهم بالمنزل إلى أنبيائهم كأبي الليث السمرقندي والواحدي، ومنهم من لم يذكر شيئًا من ذلك ولكن فسر الأسباط بأولاد يعقوب فحسبه ناس قولًا بنبوتهم وليس نصًا فيه لاحتمال أن يريد بالأولاد ذريته لا بنيه لصلبه، وذكر الشيخ ابن تيمية في مؤلف له خاص في هذه المسألة ما ملخصه: الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف عليه السلام ليسوا بأنبياء وليس في القرآن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا عن أحد من أصحابه رضي الله تعالى عنهم خبر بأن الله تعالى نبأهم وإنما احتج من قال: بأنهم نبئوا بقوله تعالى في آيتي البقرة والنساء: {والأسباط} وفسر ذلك بأولاد يعقوب والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذريته كما يقال لهم: بنو إسرائيل، وكما يقال لسائر الناس: بنو آدم، وقوله تعالى: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُون} [الأعراف: 159]: {وقطعناهم اثنتى عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} [الأعراف: 160] صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل وكل سبط أمة، وقد صرحوا بأن الأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل، وأصل السبط كما قال أبو سعيد الضرير: شجرة واحدة ملتفة كثيرة الأغصان فلا معنى لتسمية الأبناء الاثني عشر أسباطًا قبل أن ينتشر عنهم الأولاد، فتخصيص الأسباط في الآية ببنيه عليه السلام لصلبه غلط لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى ومن ادعاه فقد أخطأ خطأ بينًا والصواب أيضًا أنهم إنما سموا أسباطًا من عهد موسى عليه السلام، ومن حينئذ كانت فيهم النبوة فانه لم يعرف فيهم نبي قبله إلا يوسف، ومما يؤيد ذلك أنه سبحانه لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال: {وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاوُودُ وسليمان} [الأنعام: 84] الآيات فذكر يوسف ومن معه ولم يذكر الاسباط ولو كان إخوة يوسف قد نبئوا كما نبئ لذكروا كما ذكر، وأيضًا إن الله تعالى ذكر للأنبياء عليهم السلام من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبلها؛ وجاء في الحديث: «أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم نبي ابن نبي» فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو سبحانه لما قص قصتهم وما فعلوا بأخيهم ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة وإن كان قلبها، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عمن ذنبه دون ذنبهم، ولم يذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة من عقوق الوالد وقطيعة الرحم وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر.والكذب البين إلى غير ذلك مما حكاه عنهم، بل لو لم يكن دليل على عدم نبوتهم سوى صدور هذه العظائم منهم لكفى لأن الأنبياء معصومون عن صدور مثل ذلك قبل النبوة وبعدها عند الأكثرين، وهي أيضًا أمور لا يطيقها من هو دون البلوغ فلا يصح الاعتذار بأنها صدرت منهم قلبه وهو لا يمنع الاستنباء بعد، وأيضًا ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر وهو أيضًا مات بها لكن أوصى بنقله إلى الشام فنقله موسى عليه السلام ولم يذكر في القرآن أن أهل مصر قد جاءهم نبي قبل موسى غير يوسف ولو كان منهم نبي لذكر، وهذا دون ما قبله في الدلالة كما لا يخفى.والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم إنما جاء من ظن أنهم هم الأسباط وليس كذلك إنما الاسباط أمة عظيمة، ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال سبحلنه ويعقوب وبنيه فانه أبين وأوجز لكنه عبر سبحانه بذلك إشارة إلى أن النبوة حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطًا من عهد موسى عليه السلام فليحفظ.هذا ولما نبهه عليه السلام على أن لرؤياه شأنًا عظيمًا وحذره مما حذره شرع في تعبيرها وتأويلها على وجه إجمالي فقال: {وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي يصطفيك ويختارك للنبوة كما روي عن الحسن، أو للسجود لك كما روي عن مقاتل، أو لأمور عظام كما قال الزمخشري، فيشمل ما تقدم وكذا يشمل إغناء أهله ودفع القحط عنهم ببركته وغير ذلك، ولعل خير الأقوال وسطها؛ وأصل الاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك وفسره بالاختيار لأنه إنما يجتبى ما يختار.وذكر بعضهم أن اجتباء الله تعالى العبد تخصيصه أياه بفيض الهاي يتحصل منه أنواع من المكرمات بلا سعي من العبد وذلك مختص بالأنبياء عليهم السلام، ومن يقاربها من الصديقين والشهداء والصالحين، والمشار إليه بذلك إما الاجتباء لمثل تلك الرأيا فالمشبه به متغايران، وإما لمصدر الفعل المذكور وهو المشبه والمشبه به،: {وكذلك} في محل نصب صفة لمصدر مقدر وقدم تحقيق ذلك، وقيل هنا: إن الحار والمجرور خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك وليس الأمر كذلك، ولا يخفى ما في ذكر الرب مضافًا إلى ضمير المخاطب من اللطف، وإنما لم يصرح عليه السلام بتفاصيل ما تدل عليه الرؤيا حذرًا من إذاعته على ما قيل: {وَيُعَلّمُكَ} ذهب جمع إلى أنه كلام مبتدأ غير داخل تحت التشبيه أراد به عليه السلام تأكيد مقالته وتحقيقها وتوطين نفس يوسف عليه السلام بما أخبر به على طريق التعبير والتأويل أي وهو: {يعلمك}، {وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الاحاديث} أي ذلك الجنس من العلوم، أو طرفًا صالحًا منه فتطلع على حقيقة ما أقول ولا يخفى ما فيه من تأكيد ما سبق والبعث على تلقي ما سيأتي بالقبول، وعلل عدم دخوله تحت التشبيه بأن الظاهر أن يشبه الاجتباء بالاجتباء والتعليم غير الاجتباء فلا يشبه به، ونظر فيه بأن التعليم نوع من الاجتباء والنوع يشبه بالنوع، وقيل: العلة في ذلك أنه يصير المعنى ويعلمك تعليمًا مثل الاجتباء بمثل هذه الرؤيا ولا يخفى سماجته فان الاجتباء وجه الشبه بين المشبه والمشبه به ولم يلاحظ في التعليم ذلك.وقال بعض المحققين: لا مانع من جعله داخلًا تحت التشبيه على أن المعنى بذلك الإكرام بتلك الرؤيا أي كما أكرمك بهذه المبشرات يكرمك بالاجتباء والتعليم ولا يحتاج في ذلك إلى جعله تسبيهين وتقدير كذلك، وأنت تعلم أن المنساق إلى الفهم هو العطف ولا بأس فيما قرره هذا المحقق لتوجيهه، نعم للاستئناف وجه وجيه وإن لم يكن المنساق إلى الفهم؛ والظاهر أن المراد من تأويل الأحاديث تعبير الرأيا إذ هي إخبارات غيبة يخلق الله تعالى بواسطتها اعتقادات في قلب النائم حسبمًا يشاؤه ولا حجر عليه تعالى.أو أحاديث الملك إن كانت صادقة.أو النفس أو الشيطان إن لم تكن كذلك، وذكر الراغب أن التأويل من الأول وهو الرجوع، وذلك رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علمًا كان أو فعلا، فالأول كقوله سبحانه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} [آل عمران: 7] والثاني كقوله:
وجاء الأول بمعنى السياسة التي يراعى مآلها يقال: ألنا وايل علينا. اهـ.وشاع التأويل في إخراج الشيء عن ظاهر، و: {الاحاديث} جمع تكسير لحديث على غير قياس كما قالوا: باطل وأباطيل، وليس باسم جمع له لأن النحاة قد شرطوا في اسم الجمع أن لا يكون على وزن يختص بالجمع كمفاعيل، وممن صرح بانه جمع الزمخشري في المفصل، وهو مراده من اسم الجمع في الكشاف فانه كغيره كثيرًا ما يطلق اسم الجمع على الجمع المخالف للقياس فلا مخالفة بين كلاميه، وقيل: هو جمع أحدوثة، وردّ بأن الأحدوثة الحديث المضحك كالخرافة فلا يناسب هنا، ولا في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون جمع أحدوثة، وقال ابن هشام: الأحدوثة من الحديث ما يتحدث به ولا تسعمل إلا في الشر، ولعل الأمر ليس كما ذكروا، وقد نص المبرد على أنها ترد في الخير، وأنشد قول جميل وهو مما سار وغار: وقيل: إنهم جمعوا حديثًا على أحدوثة ثم جمعوا الجمع على أحاديث كقطيع أو أقطعة وأقاطيع، وكون المراد من تأويل الأحاديث تعبير الرؤيا هو المروى عن مجاهد والسدى، وعن الحسن أن المراد عواقب الأمور، وعن الزجاج أن المراد بيان معاني أحاديث الأنبياء والأمم السالفة والكتب المنزلة.وقيل: المراد بالأحاديث الأمور المحدثة من الروحانيات والجسميانيات، وبتأويلها كيفية الاستدلال بها على قدرة الله تعالى وحكمته وجلالته والكل خلاف الظاهر فيما أرى: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة، أو بأن يضم إلى النبوة المستفاد من الاجتباء الملك ويجعله تتمة لها، أو بأن يضم إلى التعليم الخلاص من المحن والشدائد وتوسيط ذكر التعليم لكونه من لوازم النبوة والاجتباء ولرعاية ترتيب الوجود الخارجي ولأن التعليم وسيلة إلى إتمام النعمة فإن تعبيره لرؤيا صاحبي السجن ورؤيا الملك صار ذريعة إلى الخلاص من السجن والاتصال بالرياسة العظمى.وفسر بعضهم الاجتباء باعطاء الدرجات العالية كالملك والجلالة في قلوب الخلق.وإتمام النعمة بالنبوة، وأيد بأن إتمام النعمة عبارة عما تصير به النعمة تامة كاملة خالية عن جهات النقصان وما ذاك في حق البشر إلا النبوة فإن جميع مناصب الخلق ناقصة بالنسبة إليها.وجوز أن تعد نفس الرؤيا من نعم الله تعالى عليه فيكون جميع النعم الواصلة إليه بحسبها مصداقًا لها تمامًا لتلك النعمة ولا يخلو عن بعد، وقيل: المراد من الاجتباء إفاضة ما يستعد به لكل خير ومكرمة، ومن تعليم تأويل الأحاديث تعليم تعبير الرؤيا، ومن إتمام النعمة عليه تخليصه من المحن على أتم وجه بحيث يكون مع خلاصه منها ممن يخضع له، ويكون في تعليم التأويل إشارة إلى استنبائه لأن ذلك لا يكون إلا بالوحي وفيه أن تفسير الاجتباء بما ذكر غير ظاهر، وكون التعليم فيه إشارة إلى الاستنباء في حيز المنع وما ذكر من الدليل لا يثبته، فإن الظاهر أن إخوته كانوا يعلمون التأويل وإلا لم ينهه أبوه عليه السلام عن اقتصاص رؤياه عليهم خوف الكيد، وكونهم أنبياء إذ ذاك مما لم يذهب إليه ذاهب ولا يكاد يذهب إليه أصلًا، نعم ذكروا أنه لا يعرف التعبير كما ينبغي إلا من عرف المناسبات التي بين الصور ومعانيها وعرف مراتب النفوس التي تظهر في حضرة خيالاتهم بحسبها فإن أحكام الصورة الواحدة تختلف بالنسبة إلى الأشخاص المختلفة المراتب وهذا عزيز الوجود، وقد تثبت الخطأ في التعبير من علماء أكابر، فقد روي أبو هريرة أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني رأيت ظلة ينطف منها السمن والعسل وأرى الناس يتكففون في أيديهم فالمستكثر والمستقل وأرى سببًا واصلًا من السماء إلى الأرض فأراك يا رسول الله أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل له فعلًا فقال أبو بكر رضي الله تعالى: أي رسول الله لتدعني فلأ عبرها فقال عليه الصلاة والسلام: عبرها، فقال: أما الظلة فظلة الإسلام.
|